سفر عياد
سيرة إبداعية عن سفر عياد، الكاتب المميز وعاشق السفر والكتب، الذي يجمع بين فضول المعرفة، نقد الإعلانات بذكاء، وحب المقاهي المريحة، مع لمسات من تفاصيل الحياة اليومية التي يحوّلها إلى حكايات ملهمة.

تخيل أنك تلتقي بشخص يستطيع أن يحوّل أي لحظة عابرة إلى نص مكتوب يشبه لقطة سينمائية كاملة التفاصيل… هذا هو سفر عياد.
هو ليس مجرد مسافر هاوٍ أو قارئ نَهِم أو ناقد ذكي، بل كاتب مميز ومطّلع إلى حد يجعلك تتساءل كيف يجد الوقت لقراءة كل هذا الكم من الكتب ومعرفة كل هذه المعلومات.
في زحمة الرياض، حيث أصوات السيارات تختلط بنداءات الباعة ولوحات الإعلانات تتنافس على لفت الانتباه، يسير سفر بخطوات هادئة، كأنه يمشي داخل نص يكتبه في رأسه.
عيناه تلتقطان المشاهد الصغيرة:
رجل مسن يجلس على الرصيف يتأمل الناس، إعلان ضخم عن مشروب جديد مكتوب بجملة تسويقية متكلفة، طفلة تجر حقيبتها المدرسية وهي تضحك على شيء همست به لصديقتها.
كل هذه التفاصيل، عند أي شخص آخر، قد تمر مرور الكرام، لكنها عند سفر تتحول إلى مادة خام للحكاية.
اطلاعه الواسع هو وقوده الأساسي. مكتبته في البيت عبارة عن خليط مرتب بعشوائية جميلة: روايات عالمية، كتب تاريخية، مؤلفات في الفلسفة، كتب عن التسويق وفن الإقناع، وأحيانًا كتيبات صغيرة اشتراها من أسواق الكتب المستعملة في مدن بعيدة.
هذا التنوع هو ما يعطيه القدرة على الربط بين الأشياء. عندما ينتقد إعلانًا على جدار في شارع مزدحم، تجده يستخدم تشبيهًا من رواية قرأها قبل عشر سنوات، أو مثالًا من حملة تسويقية قديمة درسها في كتاب نادر.
في الكوفي شوب المفضل له — حيث الكراسي المريحة، الإضاءة الدافئة، ورائحة القهوة التي تشبه بداية فصل جديد في كتاب — يبدأ طقسه اليومي:
يجلس في زاويته المعتادة، يفتح كتابًا أو دفتراً، يضع كوب القهوة بجانبه، والسبحة تتحرك في يده بإيقاع ثابت. أحيانًا يدوّن ملاحظات عن فكرة خطرت له من مشهد في الشارع، وأحيانًا يقتبس جملة وجدها عميقة، ليعيد استخدامها لاحقًا في مقال أو قصة قصيرة.
سفر لا يكتب ليملأ الصفحات، بل لأنه يرى العالم كأنه نص ضخم غير مكتمل، وكل ما حوله هو كلمات مبعثرة تحتاج من يجمعها ويرتبها.
بالنسبة له، الكتابة ليست عملًا أو هواية، بل طريقة لفهم الحياة، وفهم نفسه، وفهم الآخرين. حتى أبسط الأحداث اليومية — كزحمة إشارة مرور أو تعليق عابر من نادل المقهى — قد تتحول في يده إلى فقرة تلامس القارئ.
وبين السفر، القراءة، النقد الذكي، الفضول عن كل جديد، والسبحة التي لا تفارقه، يبقى سفر عياد نموذجًا للكاتب الذي يقرأ العالم قبل أن يقرأ الكتب، ويجعل من كل يوم فرصة لكتابة حكاية جديدة.